اعلان مدفوع

اخر الأخبار

‏إظهار الرسائل ذات التسميات ثقافة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ثقافة. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 16 أغسطس 2019

أغسطس 16, 2019

سيرة حياة شاعر الرسول محمد (ص) حسان بن ثابت

سيرة حياة شاعر الرسول محمد (ص) حسان بن ثابت

سيرة حياة شاعر الرسول محمد (ص) حسان بن ثابت


سيرة حياة شاعر الرسول محمد (ص) حسان بن ثابت

حسان بن ثابت الأنصاري شاعر عربي وصحابي من الأنصار، ينتمي إلى قبيلة الخزرج من أهل المدينة، كما كان شاعرًا معتبرًا يفد على ملوك آل غسان في الشام قبل إسلامه، ثم أسلم وصار شاعر الرسول بعد الهجرة. توفي أثناء خلافة علي بن أبي طالب (ع) بين عامي 35 و40 هـ

حياته ونسبه

هو: أبو الوليد حسان بن ثابت بن المنذر الخزرجي الأنصاري، من قبيلة الخزرج، التي هاجرت من اليمن إلى الحجاز، وأقامت في المدينة مع الأوس. ولد في المدينة قبل مولد الرسول بنحو ثماني سنين، فعاش في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة أخرى، وشب في بيت وجاهة وشرف، منصرفًا إلى اللهو والغزل. وهو من بني النجار أخوال عبد المطلب بن هاشم جد النبي محمد من قبيلة الخزرج، ويروى أن أباه ثابت بن المنذر الخزرجي كان من سادة قومه، ومن أشرفهم، وأما أمه فهي الفزيعة بنت خنيس بن لوزان بن عبدون وهي أيضا خزرجية. ولد سنة: 60 قبل الهجرة على الأرجح، صحابي وكان ينشد الشعر قبل الإسلام، وكان ممن يفدون على ملوك الغساسنة في الشام، وبعد إسلامه اعتبر شاعر النبي محمد بن عبد الله. 
وأهدى لهُ النبي جارية قبطية قد اهداها لهٌ المقوقس ملك القبط واسمها سيرين بنت شمعون فتزوجها حسان وأنجبت منهُ ولدهُ عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، وحسن إسلامها وهي أخت زوجة الرسول مارية القبطية. 
ولقد سجلت كتب الأدب والتاريخ الكثير من الأشعار التي ألقاها في هجاء الكفار ومعارضتهم، وكذلك في مدح المسلمين ورثاء شهدائهم وأمواتهم. وأصيب بالعمى قبل وفاته، ولم يشهد مع النبي مشهدًا لعلة أصابته ويعد في طبقة المخضرمين من الشعراء لأنه أدرك الجاهلية والإسلام.

حسان بن ثابت قبل الإسلام

كانت المدينة في الجاهلية ميدانًا للنـزاع بين الأوس والخزرج، تكثُر فيها الخصومات والحروب، وكان قيس بن الخطيم شاعر الأوس، وحسان بن ثابت شاعر الخزرج، الذي كان لسان قومه في تلك الحروب التي نشبت بينهم وبين الأوس في الجاهلية، فصارت له في الجزيرة العربية شهرةٌ واسعة. 
وقد اتصل حسان بن ثابت بالغساسنة، يمدحهم بشعره، ويتقاسم هو والنابغة الذبياني وعلقمة الفحل أعطيات بني غسان، وقد طابت له الحياة في ظل تلك النعمة الوارفة الظلال، ثم اتصل ببلاط الحيرة وعليها النعمان بن المنذر، فحلَّ محلَّ النابغة، حين كان هذا الأخير في خلاف مع النعمان، إلى أن عاد النابغة إلى ظل أبي قابوس النعمان، فتركه حسان مكرهًا، وقد أفاد من احتكاكه بالملوك معرفةً بشعر المديح وأساليبه، ومعرفة بشعر الهجاء ومذاهبه، ولقد كان أداؤه الفني في شعره يتميز بالتضخيم والتعظيم، واشتمل على ألفاظ جزلة قوية، وهكذا كان في تمام الأهبة للانتقال إلى ظل محمد نبي الإسلام، والمناضَلة دونه بسلاحَي مَدْحِه وهجائه.

حسان بن ثابت في الإسلام

لما بلغ حسان بن ثابت الستين من عمره، وسمع بالإسلام، دخل فيه، وراح من فوره يرد هجمات القرشيين اللسانيَّة، ويدافع عن محمد والإسلام، ويهجو خصومهما.. قال يومًا للأنصار:«ما يمنع القوم الذين نصروا رسول الله بسلاحهم أن ينصروه بألسنتهم ؟!" فقال حسان بن ثابت: أنا لها، وأخذ بطرف لسانه، وقال عليه السلام: "والله ما يسرني به مِقْول بين بصرى وصنعاء".» 
ولم يكن حسان بن ثابت وحده هو الذي يرد غائلة المشركين من الشعراء؛ بل كان يقف إلى جانبه عدد كبير من الشعراء الذين صحَّ إسلامهم، وكان النبي يثني على شعر حسان، وكان يحثُّه على ذلك ويدعو له بمثل: "اللهم أيده بروح القدس"، وعطف عليه وقرَّبه منه، وقسم له من الغنائم والعطايا، إلا أن حسان بن ثابت لم يكن يهجو قريشًا بالكفر وعبادة الأوثان؛ وإنما كان يهجوهم بالأيام التي هُزِموا فيها، ويُعيرهم بالمثالب والأنساب، ولو هجاهم بالكفر والشرك ما بلغ منهم مبلغًا. 
ومما لا شك فيه أن حسانَ بن ثابت كان يحظى بمنزلةٍ رفيعةٍ، يجلُّه الخلفاء الراشدون ويفرضون له في العطاء في الوقت نفسه، فإننا لا نجد في خلافة أبي بكر- رضي الله عنه- موقفًا خاصًّا من الشعر، ويبدو أن انشغاله بالفتوحات وحركة الردَّة لم تدَع له وقتًا يفرغ فيه لتوجيه الشعراء أو الاستماع إليهم، في حين نجد أن عمر بن الخطاب يحب الشعر، خاصةً ما لم يكن فيه تكرار للفظ والمعنى، وقد روِي عن كلٍّ من الخليفتَين الراشدَين عددٌ من الأبيات.

حسان بن ثابت يؤيده الروح القدس

قال رسول الله: «"اهجُ قريشًا، فإنه أشد عليهم من رشق بالنبل"، فأرسل إلى ابن رواحة فقال: "اهجهم"، فهجاهم فلم يُرْضِ، فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخل عليه، قال حسان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنَبه، ثم أدلع لسانه فجعل يحركه، فقال: والذي بعثك بالحقَ! لأفرينَّهم بلساني فرْيَ الأديم.. فقال رسول الله : "لا تعجل، فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها، وإن لي فيهم نسبًا، حتى يلخص لك نسبي"، فأتاه حسان، ثم رجع فقال: يا رسول الله، قد لخص لي نسبك، والذي بعثك بالحق!! لأسلنَّك منهم كما تسل الشعرة من العجين.. قالت عائشة: فسمعت رسول الله يقول لحسان: "إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله"، وقالت: سمعت رسول الله يقول: "هجاهم حسان، فشفى واشتفى".»

شعره

ديوان حسان بن ثابت - من اصدارات سلسلة جب التذكارية (1971 م)

اشتهرت مدائحه في الغسانيين قبل الإسلام، ومن أشهر ما وصلنا من تلك القصائد لاميته التي جاء فيها:



لله درّ عصابةٍ نادمتهم                 يوماً بجـِلَّقَ في الزمان الأولِ

أولاد جفنة حول قبر أبيهمُ            قبر ابن مارية الكريم المفضلِ

يسقون من ورد البريص عليهمُ                برَدى يصفّق بالرحيق السلسلِ

بـِيضُ الوجوه كريمةُ أحسابهم                شمَ الأنوف من الطراز الأولِ

يغشون حتى ما تهرّ كلابهم            لا يسألون عن السواد المقبلِ

يؤكد الناقدون أن ما نظمه حسان بعد إسلامه افتقر إلى الجزالة وقوة الصياغة التي كانت له في الجاهلية. ولكنه في مقابل ذلك كان يتمتع بقدر كبير من الحيوية والرقة والسلاسة، ويتوهج من حين إلى آخر بتدفق عاطفي يكشف عما في قلبه من دفء وحرارة. ويتفق النقاد على أن أساليب حسان بن ثابت بعد إسلامه قد سلمت من الحوشية والأخيلة البدوية، ولكن خالطها لين الحضارة، ولم تخل في بعض الأغراض من جزالة اللفظ وفخامة المعنى والعبارة كما في الفخر والحماسة والدفاع عن النبي ورسالته ومعارضته المشركين وهجومهم. ويقول الناقد محمد مصطفى سلام: "لقد غلبت على أساليب حسان الشعرية الصبغة الإسلامية كتوليد المعاني من عقائد الدين الجديد وأحداثه والاستعانة بصيغ القرآن وتشبيهاته ولطيف كناياته، وضرب أمثاله، واقتباس الألفاظ الإسلامية من الكتاب والسنة وشعائر الدين، كما غلبت عليها الرقة واللين والدماثة واللطف وسهولة المأخذ وواقعية الصورة وقرب الخيال، وأكثر ما نرى ذلك في شعر الدعوة إلى توحيد الله وتنزيهه، وتهجين عبادة الأوثان، ووصف الشعائر الإسلامية وذكر مآثرها وبيان ثواب المؤمنين وعقاب المشركين وبعض ما مدح به الرسول أصحابه أو رثاهم به."



وقال أبو عبيدة: فضل حسان الشعراء بثلاثة: كان شاعر الأنصار في الجاهلية وشاعر النبي في النبوة وشاعر اليمانيين في الإسلام.



وقال المبرد في الكامل: أعرق قوم في الشعراء آل حسان فإنهم يعدون ستةً في نسق كلهم شاعر وهم: سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام.

النحل على لسانه

نظرًا لمكانته كشاعر الرسول، فقد لقي حسان بن ثابت من نحل الأبيات والقصائد على لسانه ما لم يلقه كثير من الشعراء، كما أدت المنافسة بين قريش والأنصار في عهد بني أمية، ثم الصراع بين القبائل اليمانية (الذين منهم الخزرج قوم حسان) والقيسية إلى المزيد من القصائد المختلقة على لسانه. وقد أشار إلى ذلك النقاد الأولون، يقول ابن سلام الجمحي: "وقد حمل عليه ما لم يحمل على أحد. لما تعاضدت قريش واستبت، وضعوا عليه أشعارا كثيرة لا تنقى." وقد حذف ابن هشام من ابن إسحاق خمس عشرة قصيدة منسوبة إلى حسان، عشر منها قد وردت في ديوانه، ويقدّر أحد الباحثين المعاصرين نسبة الأشعار المنحولة في ديوان حسان بن ثابت بما بين 60 و 70%.

وله قصيدة مشهورة وهي:

عفـتْ ذاتُ الأصابـعِ فالجـواءُ                   إلـى عـذراءَ منـزلـها خـلاءُ

ديارٌ منْ بَنِـي الحسحـاسِ قفـرٌ                  تعفيهـا الـروامـسُ والسمـاءُ

وكانـتْ لا يـزالُ بِهـا أنيـسٌ               خـلالَ مروجهـا نعـمٌ وشـاءُ

فدعْ هـذا، ولكـن منْ لطيـفٍ           يـؤرقنِـي إذا ذهـبَ العشـاءُ

لشعثـاءَ التـي قـدْ تيـمـتـهُ                 فليـسَ لقلبـهِ منهـا شـفـاءُ

كـأنّ سبيئـةً مـن بيـتِ رأسٍ            يكـونُ مزاجهـا عسـلٌ ومـاءُ

عَلى أنيابـها، أو طعـمَ غـضٍّ             مـنَ التفـاحِ هصـرهُ الجـنـاءُ

إذا ما الأسربـاتُ ذكـرنَ يومـًا           فهـنّ لطيـبِ الـراح الـفـداءُ

نوليهـا الـملامـةَ، إنْ ألـمنـا               إذا ما كـانَ معـثٌ أوْ لـحـاءُ

ونشـربـها فتتركنـا ملـوكـًا                 وأسـدًا مـا ينهنهنـا اللـقـاءُ

عدمنـا خيلنـا، إنْ لَـم تروهـا            تثيـرُ النقـعَ، موعدهـا كـداءُ

يبـاريـنَ الأسـنـةَ مصعـداتٍ             عَلى أكتافهـا الأسـلُ الظمـاءُ

تـطـلُّ جيـادنـا متمطـراتٍ                تلطمهـنّ بالخمـرِ الـنـسـاءُ

فإمـا تعرضـوا عنـا اعتمرنـا               وكانَ الفتحُ، وانكشـفَ الغطـاءُ

وإلا، فاصبـروا لـجـلادِ يـومٍ              يـعـزُّ اللهُ فيـهِ مـنْ يـشـاءُ

وجبـريـلُ أميـنُ اللهِ فـيـنـا                 وروحُ القـدسِ ليـسَ لهُ كفـاءُ

وقالَ اللهُ : قـدْ أرسلـتُ عبـدًا          يقـولُ الحـقَّ إنْ نفـعَ البـلاءُ

شهـدتُ بـهِ فقومـوا صدقـوهُ           فقلتـمْ : لا نـقـومُ ولا نشـاءُ

وقالَ اللهُ : قـدْ يسـرتُ جنـدًا          همُ الأنصـارُ، عرضتهـا اللقـاءُ

لَنَـا فِي كـلّ يـومٍ مـنْ معـدٍّ                 سبـابٌ، أوْ قتـالٌ، أوْ هجـاءُ

فنحكمُ بالقَوافِـي مـنْ هجانـا           ونضربُ حيـنَ تَختلـطُ الدمـاءُ

ألا أبـلـغْ أبـا سفيـانَ عنِّـي                 فأنتَ مجـوفٌ نَخـبٌ هـواءُ

بـأنّ سيوفنـا تركتـكَ عبـدًا              وعبـدَ الـدارِ سادتـها الإمـاءُ

هجوتَ محمـدًا، فأجبـتُ عنـهُ                 وعنـدَ اللهِ فِـي ذاكَ الـجـزاءُ

أتَهجوهُ، ولسـتَ لـهُ بكـفءٍ            فشركمـا لخيـركمـا الفـداءُ

هجوتَ مباركـًا، بـرًا، حنيفـًا                   أميـنَ اللهِ، شيـمـتـهُ الوفـاءُ

فمنْ يهجـو رسـولَ اللهِ منكـمْ                   ويَمـدحـهُ، وينصـرهُ سـواءُ

فـإنّ أبِـي ووالـدهُ وعرضـي               لعـرضِ محمدٍ منكـمْ وقـاءُ

فـإمـا تثقفـنّ بـنـو لـؤيٍ           جذيـمـةَ، إنّ قتلهـمُ شفـاءُ

أولئـكَ معشـرٌ نصـروا علينـا            ففـي أظفـارنـا منهـمْ دمـاءُ

وحلفُ الحـارثِ بن أبِي ضـرارٍ                   وحلـفُ قـريظـةٍ منـا بـراءُ

لسانِـي صـارمٌ لا عيـبَ فيـهِ             وبَـحـري لا تكـدرهُ الـدلاءُ



آثار حسان بن ثابت

اتفق الرواة والنقَّاد على أن حسان بن ثابت أشعر أهل المدر في عصره، وأشعر أهل اليمن قاطبةً، وقد خلف ديوانًا ضخمًا رواه ابن حبيب، غير أن كثيرًا من الشعر المصنوع دخله؛ لأنه لما كان لحسان بن ثابت موقف خاص من الوجهة السياسية والدينية، دُسَّ عليه كثير من الشعر المنحول، وقام بهذا العمل أعداء الإسلام، كما قام به بعض كُتاب السير من مثل ابن إسحاق.

أغراض شعر حسان بن ثابت

أكثر شعر حسان في الهجاء، وما تبقى في الافتخار بالأنصار، ومدح رسول الله محمد والغساسنة والنعمان بن المنذر وغيرهم من سادات العرب وأشرافهم، ووصف مجالس اللهو والخمر مع شيء من الغزل، إلا أنه منذ إسلامه التزم بمبادئ الإسلام، ومن خلال شعر حسان بن ثابت نجد أن الشعر الإسلامي اكتسب رقةً في التعبير بعد أن عمَّر الإيمان قلوبَ الشعراء، وهي شديدة التأثير بالقرآن الكريم والحديث الشريف مع وجود الألفاظ البدوية الصحراوية. 
ومهما استقلَّت أبيات حسان بن ثابت بأفكار وموضوعات خاصَّة .. فإن كلاًّ منها يعبر عن موضوع واحد؛ هو موضوع الدعوة التي أحدثت أكبر تغيير فكري في حياة الناس وأسلوب معاشهم، وسنقسم شخصية حسان بن ثابت الشعرية إلى أربعة أقسام، هي:
  
شعر حسان بن ثابت القبلي

قبل أن يدخل حسان بن ثابت في الإسلام كان منصرفًا إلى الذود عن حياض قومه بالمفاخرة، فكان شعره القبلي تغلب عليه صبغة الفخر، أما الداعي إلى ذلك فالعَداء الذي كان ناشبًا بين قبيلته والأوس، ولقد كان لفخر حسان نفحة عالية واندفاعًا شديدًا.

ارتباط حسان بن ثابت بالغساسنة

اتصل حسان بالبلاط الغساني، فمدح كثيرًا من أمراء غسان، أشهرهم عمرو الرابع بن الحارث، وأخوه النعمان، ولاسيما جبلة بن الأيهم، وقد قرب الغساسنة الشاعر وأكرموه وأغدقوا عليه العطايا، وجعلوا له مرتبًا سنويًّا، وكان هو يستدر ذلك العطاء بشعره:

يسقون من ورد البريص عليهم                بردى يصفق بالرحيق السلـل

بيض الوجوه كريمة أحسابهم                 شمُّ الأنوف من الطراز الأول



بعد دخول حسان بن ثابت الإسلام

نصب حسان نفسه للدفاع عن الدين الإسلامي، والرد على أنصار الجاهلية، وقد نشبت بين الفريقين معارك لسانية حامية، فكان الشعر شعر نضال يهجو فيه الأعداء، ويمدح فيه رجال الفريق، ولم يكن المدح ولا الهجاء للتكسب أو الاستجداء؛ بل للدفاع عن الرسول الكريم وهذا ينقسم لقسمين:

1- المدح

نجده في شعر حسان لهذا العهد، فهو مقصور على النبي وخلفائه وكبار الصحابة، والذين أبلَوا في الدفاع عن الإسلام بلاءً حسنًا، وهو يختلف عن المدح التكسُّبي بصدوفه عن التقلب على معاني العطاء والجود، والانطواء على وصف الخصال الحميدة ورسالة محمد وما إلى ذلك مما ينبثق من العاطفة الحقَة والعقيدة النفيسة، قال حسان:

نبي أتانا بعد يأس وفترة من الرسل           والأوثان في الأرض تعبد

فأمسى سراجًا مستنيرًا وهاديًا                  يلوح كما لاح الصقيل المهنـد

وأنذرنا نارًا وبشر جـنة                   وعلمنا الإسلام، فالله نحــمد

وأنت إله الخلق ربي وخالقي                   بذلك ما عمرت في الناس أشهد

ويلحق بهذا المدح رثاء محمد فقد ذرف الشاعر دموعًا حارة، وضمنه لوعة وتذكرًا لأفضال رسول الدين الجديد، وحنينًا إليه في النعيم:

مع المصطفى أرجو بذاك جواره              وفي نيل ذلك اليوم أسعى وأجهد

وأما الهجاء النضالي فقد وجهه إلى القرشيين الذين قاموا في وجه الدين الجديد يحاربونه ويهجون محمدًا وكان موقف الشاعر تجاههم حربًا لما بينهم وبين محمد من نسب.

2- الهجاء

فقد كان يعمد إلى الواحد منهم فيفصله عن الدوحة القرشية، ويجعله فيهم طائرًا غريبًا يلجأ إليها كعبد، ثم يذكر نسبه لأمه فيطعن به طعنًا شنيعًا، ثم يسدد سهامه في أخلاق الرجل وعرضه فيمزقها تمزيقًا في إقذاع شديد، ويخرج ذلك الرجل موطنًا للجهل والبخل والجبن والفرار عن إنقاذ الأحبة من وهدة الموت في المعارك.

وفاة حسان بن ثابت




توفي حسان بن ثابت في المدينة ما بين عامي 35 و40 هـ في عهد علي بن أبي طالب (ع) عن عمر ناهز المائة والعشرين عامًا. ورجح بعض المؤرخين، أن حسان ابن ثابت: توفي في زمن خلافة معاوية بن أبي سفيان ما بين عام: 50 هـ وعام 54 هـ..
أغسطس 16, 2019

سيرة حياة الشاعرالأخطل التغلبي

سيرة حياة الشاعرالأخطل التغلبي

سيرة حياة الشاعرالأخطل التغلبي

الأخطل التغلبي ويكنى أبو مالك ولد عام 19 هـ، الموافق عام 640م، وهو شاعر عربي وينتمي إلى قبيلة تغلب العربية ، وكان مسيحياً، وقد مدح خلفاء بني أمية بدمشق في الشام، وأكثر في مدحهم، وهو شاعر مصقول الألفاظ، حسن الديباجة، في شعره إبداع. وهو أحد الثلاثة المتفق على أنهم أشعر أهل عصرهم: جرير والفرزدق والأخطل

نشأته

هو: غياث بن غوث بن الصلت بن طارقة بن عمرو بن سيجان بن عمرو بن فدوكس بن عمرو بن مالك بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.

نشأ في دمشق واتصل بالأمويين فكان شاعرهم، وتهاجى مع جرير والفرزدق، فتناقل الرواة شعره، وكان معجباً بأدبه، تياهاً، كثير العناية بشعره. وكانت إقامته حيناً في دمشق وحيناً في الجزيرة الفراتية.

نظم الشعر صغيرا، ورشحّه كعب بن جعيل شاعر تغلب ليهجو الأنصار، فهجاهم وتعززت صلته ببني أمية بعد ذلك، فقرّبه يزيد، وجعله عبد الملك بن مروان شاعر البلاط الرسمي، يدافع عن دولة بني أمية، ويهاجم خصومها. أقحم نفسه في المهاجاة بين جرير والفرزدق حين فضّل الفرزدق على جرير، وامتدّ الهجاء بينه وبين جرير طوال حياته وقد جمع أبو تمام نقائض جرير والأخطل. 
برع الأخطل في المدح والهجاء ووصف الخمرة، ويتهمه النقاد بالإغارة على معاني من سبقه من الشعراء، والخشونة والالتواء في الشعر والتكلّف أحيانا، وهو في نظرهم شاعر غير مطبوع بخلاف جرير، ولكنه واسع الثقافة اللغوية، تمثّل التراث الأدبي وأحسن استغلاله.

نماذج من شعره

أجود شعره على الإطلاق رائيتاه الشهيرتان وهما من عيون الشعر العربي، الأولى في هجاء القبائل القيسية، وهي :



أَلا يا اسلَمي يا هِندُ هِندَ بَني بَدرِ              وَإِن كانَ حَيّانا عِدىً آخِرَ الدَهرِ

وإن كنتِ قدْ أقصدتني إذ رَميتني              بسَهْمكِ، والرَّمي يُصيبُ، وما يدري

أسيلَة ُ مجرَى الدَّمعِ، أمّا وشاحُها            فجارٍ، وأمّا الحِجْلُ منها فما يجري

تموتُ وتحيا بالضجيعِ وتلتوي               بمطردِ المتمينِ منتبرِ الخصرِ

وكُنْتُمْ إذا تنأَون مِنّا، تَعَرَّضَتْ                  خيالاتكمْ أو بتَّ منكمْ على ذكرِ

لقدْ حملتْ قيسَ بن عيلانَ حربُنا            على يابسِ السيساء محدوبِ الظهرِ

وقَدْ سرّني مِن قَيْسِ عَيْلان، أنّني              رَأيْتُ بني العَجْلانِ سادوا بني بدْرِ

وقَدْ غَبَرَ العَجْلانُ حِيناً، إذا بكى                على الزادِ ألقتهُ الوليدة ُ في الكسرِ

فيصبحُ كالخفاشِ، يدلكُ عينهُ               فقُبّحَ مِنْ وَجْهٍ لئيمٍ، ومَنْ حَجْرِ

وكُنْتُمْ بَني العَجْلانِ ألأممَ عِنْدَنا               وأحْقَرَ مِن أن تشهدوا عاليَ الأمْرِ

بني كلّ دسماء الثيابِ، كأنما          طلاها بنو العَجْلانِ مِن حُمَمِ القِدرِ

تَرَى كعْبَها قد زالَ مِن طولِ رَعِيها            وَقاحَ الذُّنابى بالسّويّة ِ والزِّفْرِ

وإن نزَلَ الأقْوامُ مَنْزِلَ عِفّة ٍ            نزَلتُمْ بَني العَجْلانِ مَنزِلَة َ الخُسرِ

وشاركَتِ العجلانُ كعباً، ولمْ تكُنْ            تشاركُ كعباً في وفاءٍ ولا غدرِ

ونجى ابن بدرٍ ركضهُ منْ رماحنا               ونضاحة ُ الأعطافِ ملهبة ُ الحضر

إذا قُلتُ نالَتهُ العوالي، تقاذفَتْ               به سوْحقُ الرجلين صايبة ُ الصدْر

كأنّهما والآلُ يَنجابُ عَنهُما           إذا انغَمسا فيهِ يَعومانِ في غَمْرِ

يُسِرُّ إلَيها، والرّماحُ تَنُوشُهُ:            فدًى لكِ أُمّي، إن دأبتِ إلى العَصرِ

فطَلَّ يُفَدِّيها، وطَلّتْ كأنّها            عقابٌ دعاها جنحُ ليلٍ إلى وكرِ

كأنَّ بِطُبْيَيْها ومَجرى حِزامِها                   أداوى تسحُّ الماءَ منْ حورٍ وفرِ

ركوبٌ على السواءات قدْ شرمَ آسته                   مزاحمة ُ الأعداء والنخسِ في الدبرِ

فطاروا شقاقاً لاثنتينِ، فعامرٌ                  تَبيعُ بَنيها بالخِصافِ وبالتَّمْرِ

وأمّا سُلَيْمٌ، فاستَعاذَتْ حِذارَنا                 بحَرَّتِها السّوْداء والجَبلِ الوَعْرِ

تَنِقُّ بلا شيءٍ شُيوخُ مُحاربٍ          وما خلتُها كانتْ تريشُ ولا تبري

ضَفادعُ في ظَلْماءِ لَيْلٍ تجاوَبَتْ                فدَلَّ عَلَيْها صَوْتُها حيّة َ البَحْر

ونحنُ رفَعْنا عَنْ سَلولٍ رِماحَنا                 وعَمْداً رَغِبْنا عَنْ دماء بني نَصْرِ

ولو ببني ذبيانَ بلتْ رماحُنا           لقَرَّتْ بهمْ عَيْني وباءَ بهِمْ وِتْري

شفى النفسَ قتلى من سليمٍ وعامرٍ           ولمْ تَشْفِها قَتْلى عَنِيّ ولا جَسْرِ

ولا جشمٍ شرّ القبائلِ، إنها             كبيضِ القطا، ليسوا بسودٍ ولا حمرِ

وما ترَكَتْ أسْيافُنا حينَ جُرّدَتْ                لأعْدانا قَيْسِ بنِ عَيْلانَ مِنْ عُذْرِ

وقد عركتْ بابني دخانٍ فأصبحا              إذا ما احزَألاَّ مِثْلَ باقيَة ِ البَظْرِ

وأدْرَكَ عِلْمي في سُواءة َ، أنّها                   تقيمُ على الأوتارِ والمشربِ الكدرِ

وظل يجيشُ الماءُ من متقصدٍ                على كل حالٍ من مذاهبهِ يجري

فأقسمُ لو أدركنهُ لقذفنهُ              إلى صَعْبَة ِ الأرْجاء، مُظْلمَة ِ القَعْرِ

فوَسّدَ فِيها كفَّهُ، أوْ لحجّلَتْ                   ضِباعُ الصَّحاري حَوْلَهُ، غيرَ ذي قبرِ

لعَمْري لقَدْ لاقَتْ سُلَيْمٌ وعامِرٌ                على جانبِ الثرثاء راغية َ البكرِ

أعِنّي أميرَ المؤمنين بنَائِلٍ               وحُسْنِ عطاء، ليْس بالرَّيِّثِ النَّزْرِ

وأنتَ أميرُ المؤمنينَ، وما بنا          إلى صُلْحِ قَيْسٍ يا بنَ مَرْوان مِن فَقْرِ

فإنْ تكُ قيسٌ، يا بْنَ مرْوان، بايعَتْ                   فقَدْ وَهِلَتْ قيسٌ إليك، مِن العُذْرِ

على غير إسلامٍ ولا عنْ بصيرة ٍ                 ولكنّهُمْ سِيقوا إليكَ عَلى صُغْرِ

ولمّا تَبَيّنّا ضَلالَة َ مُصْعَبٍ             فتَحْنا لأهْلِ الشّامِ باباً مِنَ النّصْرِ

فقَدْ أصْبَحَتْ مِنّا هَوازِنُ كُلُّها                   كواهي السُّلامى ، زِيد وقْراً على وَقْرِ

سَمَوْنا بِعِرْنينِ أشمَّ وعارِضٍ           لمنعَ ما بين العراقِ إلى البشرِ

فأصبحَ ما بينَ العراقِ ومنبجِ                   لتَغْلِبَ تَرْدى بالرُّدَيْنِيّة ِ السُّمْرِ

إلَيْكَ أميرَ المؤمنينَ نَسيرُها            تخبّ المطايا بالعرانينِ من بكرِ

برأسِ امرئٍ دلّى سليماً وعامراً                  وأوْرَدَ قَيْساً لُجَّ ذي حَدَبٍ غَمْرِ

فأسْرَين خَمساً، ثمَّ أصبحنَ، غُدوَة ً                   يُخَبِّرْنَ أخْباراً ألذَّ مِنَ الخَمْرِ

تَخَلَّ ابنَ صَفارٍ، فلا تذْكُرِ العُلى               ولا تذكُرَنْ حَيّابِ قوْمكَ في الذِّكْرِ

فقد نهضت للتغلبين حية ٌ           كحية ِ موسى يوم أيدَ بالنصرِ

يُخْبَرْنَنا أنَّ الأراقِمَ فَلَّقُوا                جماجمَ قيسٍ بينَ رذانَ فالحضرِ

جماجمَ قومٍ، لمْ يعافوا ظلامة                ولمْ يَعْلَمُوا أيْنَ الوفاءُ مِنَ الغَدْرِ



والأخرى في مدح عبد الملك بن مروان وبني أمية وذم خصومهم، وفيها يهجو جرير وقومه كليب بن يربوع وهي :



خَفَّ القطينُ، فراحوا منكَ، أوْ بَكَروا                  وأزعجتهم نوى في صرفْها غيرُ

كأنّني شارِبٌ، يوْمَ اسْتُبِدَّ بهمْ                  من قرقفٍ ضمنتها حمصُ أو جدرُ

جادَتْ بها مِنْ ذواتِ القارِ مُتْرَعة ٌ              كلْفاءُ، يَنْحتُّ عنْ خُرْطومِها المَدرُ

لَذٌّ أصابَتْ حُميّاها مقاتِلَهُ             فلم تكدْ تنجلي عنْ قلبهِ الخُمرُ

كأنّني ذاكَ، أوْ ذو لَوْعة ٍ خَبَلَتْ                أوْصالَهُ، أوْ أصابَتْ قَلْبَهُ النُّشَرُ

شَوْقاً إليهِمْ، وَوجداً يوْمَ أُتْبِعُهُمْ               طرْفي، ومنهم بجنبيْ كوكبٍ زُمرُ

حثّوا المطيّ، فولتنا مناكبِها          وفي الخدورِ إذا باغمتَها الصوَرُ

يبرقنَ بالقومِ حتى يختبِلنهُمْ                   ورأيهُنَّ ضعيفٌ، حينَ يختبرُ

يا قاتلَ اللهُ وصلَ الغانياتِ، إذا                أيقنَّ أنكَ ممنْ قدْ زها الكبرُ

أعرضنَ، لما حنى قوسي مُوترها               وابْيَضَّ، بعدَ سَوادِ اللِّمّة ِ، الشّعَرُ

ما يَرْعوينَ إلى داعٍ لحاجتِهِ            ولا لهُنَّ، إلى ذي شَيْبَة ٍ، وَطَرُ

شرقنَ إذْ عصرَ العِيدانُ بارحُها                 وأيْبسَتْ، غَيرَ مجْرَى السِّنّة ِ، الخُضَرُ

فالعينُ عانية ٌ بالماء تسفحهُ                   مِنْ نِيّة ٍ، في تلاقي أهْلِها، ضَرَرُ

منقضبينَ انقضابَ الحبلِن يتبعهُم          مِنَ الشّقيقِ، وعينُ المَقْسَمِ الوَطَرُ

ولا الضِّبابَ إذا اخْضَرَّتْ عُيونُهُمُ              أرْضاً تَحُلُّ بها شَيْبانُ أوْ غُبَرُ

حتى إذا هُنَّ ورَّكْنَ القَضيمَ، وقَدْ               أشرقنَ، أو قلنَ هذا الخندقُ الحفرُ

إلى امرئٍ لا تعدّينا نوافلهُ              أظفرهُ اللهُ، فليهنا لهُ الظفرُ

ألخائضِ الغَمْرَ، والمَيْمونِ طائِرُهُ             خَليفَة ِ اللَّهِ يُسْتَسْقى بهِ المطَرُ

والهمُّ بعدَ نجي النفسِ يبعثه                  بالحزْمِ، والأصمعانِ القَلْبُ والحذرُ

والمستمرُّ بهِ أمرُ الجميعِ، فما                 يغترهُ بعدَ توكيدٍ لهُ، غررُ

وما الفراتُ إذا جاشتْ حوالبهُ                 في حافتيهِ وفي أوساطهِ العشرُ

وذَعْذعَتْهُ رياحُ الصَّيْفِ، واضطرَبتْ                  فوقَ الجآجئ من آذيهِ غدرُ

مسحنفرٌ من جبال الروم يسترهُ              مِنْها أكافيفُ فيها، دونَهُ، زَوَرُ

يوماً، بأجْودَ مِنْهُ، حينَ تَسْألُهُ                  ولا بأجهرَ منهُ، حين يجتهرُ

ولمْ يزَلْ بكَ واشيهِمْ ومَكْرُهُمُ                 حتى أشاطوا بغَيْبٍ لحمَ مَنْ يَسَرُوا

فلَمْ يَكُنْ طاوِياً عنّا نصِيحَتَهُ                   وفي يدَيْه بدُنْيا دونَنا حَصَرُ

فهو فداءُ أميرِ المؤمنينَ، إذا           أبدى النواجذَ يومٌ باسلٌ ذكرُ

مفترشٌ كافتراشِ الليث كلكلهُ                   لوقعة ٍ كائنٍ فيها لهُ جزرُ

مُقَدِّماً مائتيْ ألْفٍ لمنزِلِهِ                ما إن رأى مثلهمْ جنّ ولا بشرُ

يَغْشَى القَناطِرَ يَبْنيها ويَهْدِمُها                مُسَوَّمٌ، فَوْقَه الرَّاياتُ والقَتَرُ

قَوْمٌ أنابَتْ إليهِمْ كلُّ مُخْزِية ٍ                   وبالثوية ِ لم ينبضْ بها وترُ

وتَسْتَبينُ لأقوامٍ ضَلالَتُهُمْ              ويستقيمُ الذي في خدهِ صعرُ

ثم استقلَّ باثقال العراقِ، وقدْ                 كانتْ لهُ نقمة ٌ فيهم ومدخرُ

في نَبْعَة ٍ مِنْ قُرَيشٍ، يَعْصِبون بها            ما إنْ يوازَى بأعْلى نَبْتِها الشّجَرُ

تعلو الهضابِ، وحلّوا في أرومتها              أهْلُ الرّياء وأهْلُ الفخْرِ، إنْ فَخَروا

حُشْدٌ على الحَقّ، عيّافو الخنى أُنُفٌ                   إذا ألمّتْ بهِمْ مَكْروهَة ٌ، صبروا

وإن تدجتْ على الآفاقِ مظلمة ٌ               كانَ لهُمْ مَخْرَجٌ مِنْها ومُعْتَصَرُ

أعطاهُمُ الله جداً ينصرونَ بهِ                  لا جَدَّ إلاَّ صَغيرٌ، بَعْدُ، مُحْتقَرُ

لمْ يأشَروا فيهِ، إذْ كانوا مَوالِيَهُ                 ولوْ يكونُ لقومٍ غيرهمْ، أشروا

شمسُ العداوة ِ، حتى يستقادَ لهم            وأعظمُ الناس أحلاماًن إذا قدروا

لا يستقلُّ ذوو الأضغانِ حربهمُ                ولا يبينُ في عيدانهمْ خورُ

هُمُ الذينَ يُبارونَ الرّياحَ، إذا          قَلَّ الطّعامُ على العافينَ أوْ قَتَروا

بني أميّة َ، نُعْماكُمْ مُجَلِّلَة ٌ            تَمّتْ فلا مِنّة ٌ فيها ولا كَدَرُ

بني أُميّة َ، قدْ ناضَلْتُ دونَكُمُ                  أبناءَ قومٍ، همُ آووا وهُمْ نصروا

أفحمتُ عنكُم بني النجار قد علمت                   عُلْيا مَعَدّ، وكانوا طالما هَدَرُوا

حتى استكانوا: وهُم مني على مضضٍ                  والقولُ ينفذُ ما لا تنفذُ الإبرُ

بَني أُميّة َ، إنّي ناصِحٌ لَكُمُ               فَلا يَبيتَنَّ فيكُمْ آمِناً زُفَرُ

وأَتْخِذوهُ عَدُوّاً، إنَّ شاهِدَهُ            وما تغيبَ من أخلاقهِ دَعرُ

إن الضغينة َ تلقاها، وإن قدُمتْ             كالعَرّ، يَكْمُنُ حِيناً، ثمّ يَنْتشِرُ

وقَدْ نُصِرْتَ أميرَ المؤمنين بِنا                   لمّا أتاكَ ببَطْنِ الغُوطَة ِ الخَبَرُ

يعرفونكَ رأس ابن الحُبابِ، وقدْ             أضحى ، وللسيفِ في خيشومهِ أثرُ

لا يَسْمَعُ الصَّوْتَ مُسْتَكّاً مسامِعُهُ             وليسَ ينطقُ، حتى ينطقَ الحجرُ

أمْسَتْ إلى جانبِ الحَشاكِ جيفَتُهُ           ورأسهُ دونهُ اليحمومُ والصُّوَرُ

يسألُهُ الصُّبْرُ مِن غسّان، إذ حضروا           والحزنُ كيف قراكَ الغلمة ُ الجشرُ

والحارثَ بن أبي عوفٍ لعبنَ بهِ                 حتى تعاورَهُ العقبانُ والسبرُ

وقيس عيلان، حتى أقبلوا رقصاً               فبايعوكَ جهاراً بعدما كفروا

فلا هدى اللَّهُ قَيساً مِن ضَلالتِهِمْ              ولا لعاً لبني ذكوانَ إذا عثروا

ضجّوا من الحرب إذا عضَّت غوارَبهمْ                وقيسُ عيلان من أخلاقها الضجرُ

كانوا ذَوي إمة ٍ حتى إذا علقتْ                 بهمْ حبائلُ للشيطانِ وابتهروا

صُكّوا على شارِفٍ، صَعْبٍ مَراكبُها            حَصَّاءَ لَيْسَ لها هُلْبٌ ولا وبَرُ

ولمْ يَزَلْ بِسُلَيْمٍ أمْرُ جاهِلِها           حتى تعايا بها الإيرادُ والصدرُ

إذْ يَنظُرون، وهُمْ يجْنون حَنْظَلَهُمْ           إلى الزوابي فقلنا بعدَ ما نظروا

كروا إلى حرتيهم يعمُرونَهُما          كما تكرُّ إلى أوطانها البقر

وأصْبحَتْ مِنهُمُ سِنْجارُ خالِيَة ً               والمحلبياتُ فالخابورُ فالسرَرُ

وما يُلاقونَ فَرَّاصاً إلى نَسَبٍ           حتى يُلاقيَ جَدْيَ الفَرْقَدِ القَمَرُ

وما سعى فيهم ساعٍ ليدرِكنا           إلا تقاصرَ عنا وهوَ منبهرُ

وقد أصابتْ كلاباً، من عداوتنا                 إحدى الدَّواهي التي تُخْشى وتُنْتَظَرُ

وقد تفاقمَ أمرٌ غير ملتئمٍ              ما بَيْنَنا رَحِمٌ فيهِ ولا عِذَرُ

أما كليبُ بن يربوعِ فليسَ لهمْ                 عِنْدَ التّفارُطِ إيرادٌ ولا صدَرُ

مخلفونَ، ويقضي الناسُ أمرهمُ               وهُمْ بغَيْبٍ وفي عَمْياءَ ما شَعروا

مُلَطَّمونَ بأعْقارِ الحِياضِ، فما                 ينفكّ من دارمي فيهم أثرُ

بئس الصحاة ُ وبئس الشربُ شربهُمُ                  إذا جرى فيهمِ المزاءُ والسكرُ

قوم تناهت اليهم كل فاحشة                  وكل مخزية سبت بها مضر

على العِياراتِ هَدّاجونَ، قدْ بلَغَتْ            نَجْرانَ أوْ حُدّثتْ سوءاتِهم هَجَرُ

الآكلون خبيثَ الزادِ، وحدهُمُ                 والسائلون بظهرِ الغيبِ ما الخبرُ

واذكرْ غدانة ً عداناً مزنمة ً            مِن الحَبَلَّقِ تُبْنى حوْلها الصِّيَرُ

تُمْذي، إذا سَخَنَتْ في قُبلِ أذْرُعِها            وتزرئِمُّ إذا ما بلها المطرُ

وما غُدانَة ُ في شيء مكانَهُمُ            الحابسو الشاءَ، حتى يفضلَ السؤرُ

يتصلونَ بيربوعِ ورفدهمُ               عِنْدَ التّرافُدِ، مغْمورٌ ومُحْتَقَرُ

صُفْرُ اللِّحى مِن وَقودِ الأدخِنات، إذا                   ردّ الرفادَ وكفَّ الحالبِ القررُ

وأقسمَ المجدُ حقاً لا يحالفهمْ                 حتى يحالفَ بطنَ الراحة ِ الشعرُ

وفاته

توفي الأخطل في السبعين من عمره سنة 92 هـ، الموافق عام 710م، في السنة الخامسة من خلافة الوليد بن عبد الملك. ولا تتوافر معلومات موثقة عن مكان وفاته، والأرجح أنه مات بين قومه في الجزيرة الفراتية. وقد مات على دينه المسيحية.




اعلان اول الموضوع

اعلان وسط الموضوع

إعلان اخر الموضوع